كيفية الصلاة جالسة: شرح كامل لأحكامها وشروطها
تعتبر الصلاة أحد أعظم العبادات التي فرضها الله تعالى على المسلمين، وهي الركيزة الأساسية في حياة المؤمن. وتُعدُّ الصلاة ركنًا أساسيًا من أركان الإسلام، حيث يُتَعبَّد الله تعالى بها في جميع الأوقات، وتتم بصيغ ومواقيت مختلفة تبعًا للظروف المختلفة. واحدة من تلك الظروف هي الصلاة الجالسة، والتي قد يضطر إليها المسلم في بعض الأحيان بسبب عذرٍ من الأعذار، مثل المرض أو ضعف الجسم. وفي هذا المقال، سنستعرض كيفية أداء الصلاة جالسة، مع تسليط الضوء على الأحكام الشرعية المتعلقة بها، وشروطها، وكيفية تطبيق ذلك في مختلف الصلوات.
مفهوم الصلاة جالسة
الصلاة جالسة هي الصلاة التي يؤديها المسلم وهو جالس على الأرض أو على مكانٍ مرتفع، وذلك بدلاً من أداء الصلاة واقفًا كما هو الحال في الصلاة العادية. وتُباح الصلاة جالسة للمريض أو المسن أو من يعاني من إعاقة بدنية تمنعه من أداء الصلاة قائماً. يمكن أن يكون الجلوس على الأرض أو على كرسي أو أي شيء آخر حسب ما يناسب حال الشخص المريض أو العاجز.
يعتبر الجلوس في الصلاة أحد البدائل التي يسمح بها الشارع الحكيم للمؤمنين الذين يجدون صعوبة في أداء الصلاة واقفين، حيث يُمكنهم أداء الركعات والركوع والسجود وفقًا لما يتيسر لهم، شريطة أن لا يتعدى ذلك على جوهر الصلاة وما تحتويه من أركان وشروط.
حالات الصلاة جالسة
صلاة الشخص جالسًا تكون في الحالات التي تعجز فيها القدرة الجسدية على أداء الصلاة قائمًا. هذه الحالات تتراوح بين أمراض معينة إلى إصابات جسدية قد تؤثر على قدرة الشخص على الوقوف، مثل:
-
المرض: عندما يكون الشخص مريضًا ويتعذر عليه الوقوف، سواء كان المرض مؤقتًا أو مزمنًا.
-
الإعاقة الجسدية: الأشخاص الذين يعانون من إعاقات جسدية أو حركية تمنعهم من الوقوف أثناء الصلاة.
-
الشيخوخة: كبار السن الذين لا يستطيعون الوقوف بسبب ضعف البدن أو ضعف القوة.
-
الإصابات: مثل كسور العظام أو العمليات الجراحية التي تحد من القدرة على الوقوف.
كيفية أداء الصلاة جالسة
لأداء الصلاة جالسًا، يلتزم الشخص بأداء نفس الأركان التي يتم أداءها في الصلاة العادية، ولكن مع مراعاة بعض التعديلات الطفيفة في الوضع الجسدي بناءً على ما تقتضيه حالته. فيما يلي التفصيل لكيفية أداء الصلاة جالسة:
1. النية:
كما في الصلاة العادية، يجب أن تكون النية موجهة إلى أداء العبادة. يجب أن ينوي المسلم أنه سيؤدي الصلاة جالسة بسبب عذر، وأن هذه الصلاة ستكون بمثابة قضاء في حال عدم تمكنه من الصلاة الواقفة.
2. تكبيرة الإحرام:
يبدأ المسلم الصلاة بتكبيرة الإحرام، ويجوز له رفع يديه كالمعتاد عند التكبير إن كان قادرًا على ذلك. وإذا لم يكن قادرًا على رفع اليدين، فلا حرج عليه، فيكتفي بالتكبير فقط.
3. القراءة والركوع:
بعد تكبيرة الإحرام، يبدأ المسلم في قراءة الفاتحة ثم ما تيسر له من القرآن الكريم كما هو الحال في الصلاة العادية. في الركوع، يتم الجلوس بشكل مستقيم، والركوع يكون إما عن طريق إمالة الجذع للأمام بقدرٍ معين أو عن طريق توجيه الرأس إلى الأسفل. يجب على المسلم أن يلتزم بأدنى حد من الركوع الذي يستطيع أن يفعله.
4. السجود:
أما في السجود، فيمكن أن يتم من خلال الجلوس على الأرض أو على كرسي مع إيماء الرأس نحو الأسفل. في حال كانت الإعاقة تمنع الشخص من السجود الكامل، يجوز له أن يسجد بالإشارة بالرأس إذا تعذر عليه السجود بالمستوى التقليدي.
5. الجلوس بين الركعات:
بعد السجود، يجب أن يكون الجلوس بين الركعات في وضعية مريحة. يمكن الجلوس على الركبتين أو الجلوس على الأرض أو استخدام الكرسي إذا كان الشخص لا يستطيع الجلوس على الأرض.
6. التسليم:
التسليم في الصلاة الجالسة يكون مشابهًا لما يتم في الصلاة العادية، حيث ينهي المسلم صلاته بالتسليم يمينًا ويسارًا.
كيفية السجود في الصلاة جالسة
إن السجود في الصلاة الجالسة يُعدُّ من الأمور التي قد يكون فيها بعض التحديات خاصة في الحالات التي يصعب فيها السجود التقليدي. لذلك، يجب على المسلم الذي يصلي جالسًا أن يلتزم بإيماء رأسه نحو الأرض للسجود، أو أن يُشير برأسه إذا كان السجود الكلي غير ممكن.
في حال كان الشخص يستطيع السجود بشكل جزئي، فإنه يؤدي السجود بشكل مائل نحو الأرض مع التأكد من أن جبهته وأنفه، إذا كان ممكنًا، في حالة ملامسة الأرض.
إذا تعذر على الشخص السجود كليًا، يمكنه أن يُسقط جزءًا من جبهته في حالة كانت هذه الطريقة ممكنة، أو يكتفي بالإيماء برأسه.
الصلاة الجالسة في الصلوات المختلفة
إن الصلاة الجالسة يمكن أن تؤدى في جميع الصلوات الخمس المفروضة أو النفل، بما في ذلك صلاة الفريضة وصلاة السنة. وهذه الصلوات تشمل:
-
صلاة الفجر
-
صلاة الظهر
-
صلاة العصر
-
صلاة المغرب
-
صلاة العشاء
وفي حالة الصلاة الجالسة بسبب المرض أو الإعاقة، لا يُشترط أن تكون الصلاة جالسة في جميع الركعات. يمكن أن يكون الوضع أكثر مرونة وفقًا لحالة الشخص الصحية.
ما يجب مراعاته في الصلاة جالسة
على الرغم من أن الصلاة جالسة تسمح بتيسير العبادة في حالات العجز، إلا أنه هناك بعض الأمور التي يجب على المسلم مراعاتها:
-
النية: يجب أن تكون النية سليمة وصادقة عند أداء الصلاة جالسة، وهي من أولى الأمور التي ينبغي الانتباه لها.
-
إتمام الأركان: يجب على المسلم أن يؤدي جميع أركان الصلاة كما هي، إلا أن التعديل سيكون في الطريقة وليس في الجوهر.
-
استمرار الصلاة الجالسة: إذا تحسن حال الشخص الذي يصلي جالسًا وتمكن من الوقوف، فإنه يعود إلى الصلاة كالمعتاد في الأوقات القادمة.
-
العمل بالقواعد الشرعية: يجب أن يتم أداء الصلاة جالسة وفقًا لما يجيزه الشرع، ولا يجوز التهاون في أداء الصلاة بسبب المرض.
الصلاة جالسة في المذاهب الفقهية
يتفق جميع علماء المذاهب الفقهية الأربعة في جواز الصلاة جالسة إذا كان هناك عذر شرعي. وفيما يلي ملخص للاختلافات الطفيفة بين المذاهب في أداء الصلاة جالسة:
-
الحنفيّة: يذهب بعض علماء الحنفية إلى جواز الصلاة جالسة في جميع الحالات التي تقتضي ذلك.
-
الشافعيّة: الشافعية يسمحون بالصلاة جالسة ولكن بشرط أن يكون الجلوس طبيعيًا مع المحافظة على أركان الصلاة.
-
المالكية: المالكية أيضًا يرون أن الصلاة جالسة تكون جائزة في حالات العذر، شريطة أن يلتزم الشخص بأركان الصلاة الأخرى.
-
الحنابلة: الحنابلة يعترفون بالصلاة جالسة إذا كان الشخص عاجزًا عن أداء الصلاة واقفًا، ويشترطون أن يكون هناك عذر قوي يمنع الشخص من الوقوف.
الخاتمة
الصلاة جالسة هي من التسهيلات التي منحها الله تعالى لعباده في الحالات التي يُعجز فيها الإنسان عن أداء الصلاة بالطريقة المعتادة. ويجب على المسلم أن يلتزم بكافة الأحكام الشرعية التي تضمن صحة الصلاة جالسة، ويجب عليه أن يؤديها بالطريقة التي يقدر عليها، مع المحافظة على الأركان الأساسية في الصلاة.
